المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا ومحمد وعلى آله وصحبه أجمعين... أما بعد ، لعبت الإمبراطوريات العظمى على مر العصور دورا بارزا في اكتشاف العالم الجغرافي و استطاعت أن تحقق النجاح الباهر من خلال وصولها إلى أقصى الشرق و الغرب و من أهم هذه الإمبراطوريات الاستعمار البرتغالي الذي استطاع أن يوصل الشرق بالغرب و ينشأ حكومتها و ولايتها .
و نحن بدورنا نلقي نظرة شاملة على هذا الاكتشاف الرائع الذي حققت البشرية في حياتها و كان ركيزة حياتها أساسية في تكوين عالمنا الجغرافي الحديث ، في بحثنا سنتحدث عن كشوفات عظيمة وكانت لها دور مهم في اكتشاف طرق جديدة إلى الشرق , وتغلب على ما يواجهها من مخاطر لتكون دولة سعت في تحقيق مرادها , وسنتناول في هذا البحث أربع فصول هي : اكتشاف رأس الرجاء الصالح , البوكيرك والاستعمار البرتغالي , استعمار البرازيل و نهاية الإمبراطورية البرتغالية .. و اخترنا هذا الموضوع رغبة لنا بالتزود عنه بالمعلومات عن الكشوفات وسوف نتعرف عليهم من خلال هذا البحث .,
~...{ تمهيد }...~
أدت الحروب الصليبية إلى فتح أبواب الأسواق التجارية في الشرق , ومهدت لقيام العلاقات التجارة والاقتصادية بين الشرق والغرب , وسعت المدن الإيطالية وخاصة البندقية – إلى احتكار تلك التجارة , وعادت عليهم بالأرباح والثروة .
أدت الدوافع الاقتصادية والدينية والسياسية لظهور الكشوفات الجغرافية , فبعد العامل الاقتصادي الذي شرحناه فإن العامل الديني كان له أثره الفعال في النشاط الاستكشافي , فقد كان الأوروبيون – وخاصة الاسبان- لديهم معلومات عن بلاد يستطيعون جعلها ميدانا للتبشير بالمسيحية الكاثوليكية , والتوغل فيها عن طريق الدين , وكأهداف موجهة ضد المسلمين. وهذا ما فعله كولمبس وهنري الرابع, وحاول الأخير أن يقوم بحملات صليبية ضد المسلمين في شمال أفريقيا عام 1415 , ويأمل أن يؤدي هذا إلى ارتياد الساحل الغربي لأفريقيا لهدفين : الأول الوصول إلى أسواق الهند والشرق , وثانيهما : الوصول إلى ممكلة القديس يوحنا في الشرق أفريقيا , وهي ممكلة مسيحية , كان الأوروبيون يسمعون عنها , ويتناقلون أخبار قوة حاكمها , ويأملون إن يتخذوها قاعدة في أفريقيا والانقضاض منها على الدول الإسلامية التي تحتكر التجارة .
الكشوفات البرتغالية
كانت البرتغال أول دولة قامت بكشوفات برتغالية وتوفرت لها خبرة ومعرفة بالسفن,والبحار, والبوصلة البحرية , وحركة النجوم ,وكروية الأرض ,وعلم الجغرافيا . ترتبط حركة الكشف البرتغالي بحياة الأمير هنري الملاح, الابن الثالث لملك البرتغال يوحنا الأول , وهنري رجل متدين شديد التعصب ,واهتم من صغره بالجغرافيا والفلك.ودرس الخرائط الجغرافية ,و الإجرام السماوية و الطرق البحرية ,وحركة الرياح التي ساعدت الملاحة والملاحين ,وهي الملاحة الشراعية , واهتم ببناء السفن مما ساعد على تطور الملاحة و المعرفة بالإبحار على المحيطات .
وشارك في عدة مغامرات حربية ضد بلاد المغرب في شمال أفريقيا بحجة القضاء على القراصنة في شمال أفريقيا , ونجح في استيلاء على سبته على الشاطئ الشمال الإفريقي ,عينه أبوه حاكما عليها .و حاول التقدم نحو طنجة لاستيلاء عليها وانتزاعها من المغاربة ,إلا انه فشل في احتلالها , وحول جهوده نحو الشواطئ المراكشية على المحيط الأطلسي ,وتم له اخضاء افريقية الشمالية الغربية من نهر السنغال إلى غانا. واهتم بنشر المسيحية بفعل الروح الصليبية المسيطرة عليه ,تقودها المغامرات
التي قام بها لنشر المسيحية في أفريقيا. ورأى هنري الملاح إن يستغل الرقيق من القارة الافريقة و التجارة بهم ,ولكي يحصل على أموال لحكومته وإنشاء إمبراطورية برتغالية تحقق الرغبة الدينية , وعدت مملكته في قلب أفريقيا حصنا للمسيحية في تلك المناطق المجهولة .
وكان هنري يهدف إلى إقامة صلات مع الملك يوحنا لتامين طريقه نحو نهر السنغال ,والتقدم نحو البحر الأحمر والموانئ الغربية ,ثم إلى الهند والصين وبذلك يحقق الهدف الأكبر ,وهو الوصول إلى الشرق الأقصى .
ونجح هنري الملاح في التجول في المحيط الأطلسي و الكشوفات الجغرافية عن بعض الجزر في ذلك المحيط ,وهي مادييرا وازور وكناري , وتحقق له هدف آخر وهو مواصلة ارتياد الساحل الغربي لأفريقيا , وذلك عندما وصلت بعثاته جهودها .
وتحقق في عام 1441 للبرتغاليين الاتصال الحقيقي بالبقاء الأفريقية , واستغلوا الأراضي الغنية بالغابات ,و أنشطوا في الساحل الأفريقي ورسموا له للخرائط ,وعينوا عليها المعاملة الجغرافية الرئيسية .
واكتشف البرتغاليون عام 1460م جزائر خليج الرأس الأخضر ,ورسموا خرائط الساحل في السنغال وغامبيا , استطاع هنري أن يحقق حتى وفاته الوصول إلى ثلث الساحل الأفريقي الغربي , وأقاموا عليه نقطا محصنة ,
كقواعد حربية وتجارية لهم . وعمل الملك جورج الثاني ,على مواصلة جهود هنري الملاح ,وأرسل عام 1462م بعثة حربية إلى ساحل ليبيريا , ثم وصل إلى البرتغاليون إلى ساحل العاج وساحل الذهب ونيجيريا و الكاميرون ,ووصلوا إلى مصب نهر الكنغو , الملاحة على ساحل الأفريقي الغربي ,بحيث لم يسمح لبحارة الدول الأخرى بالملاحة وهناك إلا بتصريح خاص من البرتغال. وساعدت في نجاح البرتغاليين استعانتهم بالملاحة التي عرفها العرب , وسبقوا بها الأوروبيين , وجاب الملاحون أرجاء المحيط الهندي و الملايو وبحر الصين ,وتجاربهم الملاحية الأصلية في البحر الأحمر ,والساحل الأوروبي , والأفريقي للمحيط الأطلسي, وغرب أفريقيا , ولذلك اهتم البرتغاليون قبيل قيامهم بالمغامرات الكشفية بالحصول على هذه المعلومات بإرسال بعثات إلى البلاد العربية استطاعت الحصول على بعض الخرائط التي رسمها العرب للمحيط الهندي وبحر الصين . وتوقفت جهود البرتغاليين في الكشف الجغرافي بسبب قيام الحرب بين الأسبان والبرتغال بين (1475-1479م),ولكنهم عادوا نشاطهم في عام 1487م عندما أرسل الملك يوحنا الثاني بعثة كشفية يرأسها الملاحة الكبير برثليمو دياز.كان هدف برثليمو دياز ارتياد الساحل
الإفريقي و الدوران حول القارة بقصد الوصول إلى الهند عن طريق البحر مباشرة ,ونجح دياز في ارتياد الساحل نحو الجنوب حتى وصل إلى الخليج ألجو في أجواء عاصفة , وسماه خليج الزوابع .ثم عاد في عام 1488م إلى البرتغال مبشرا بان الطريق إلى الهند أصبح واضح المعالم . ورأى الملك أن يغير اسم الخليج إلى الرجاء في كشف الطريق البحري المباشر إلى الهند.كانت اسبانيا تسعى من جانبها في وصول إلى الهند عن طريق الاتجاه غربا, وعهدت اسبانيا بذلك إلى رحالة الجنوي حرستوف كولومبس في عام 1492م. ونشب الصراع الاسباني- البرتغالي,وكل منهما يسعى إلى تامين حقه في الأراضي الجديدة التي اكتشفها ,والطرق الملاحية التي اهتدى إليها ,والثروات التي توقع أن تهبط عليه. ولما اشتدت النزاع بين البلدين ,واتجها إلى تحكيم البابا اسكندر السادس ,وقررا قبول حكمه, ونظر البابا في الأمر ,ثم اصدر حكمه بأن تقتسم اسبانيا و البرتغال كل الأراضي الجزائر التي تم كشفها بالفعل وسوف تكتشف بعد ذلك في الغرب ,وباتجاه الهند أو اتجاه المحيطات . كان هذا الحكم أساسا للمعاهدة التي عقدت بين البلدين ,وهي معاهدة تورديسلاس عام 1494م التي قضت بان تستولي البرتغال على كل المكتشف شرقي خط وهمي يرسم بطول المحيط الأطلسي على بعد 370 ميلا غربي الجزائر في الرأس الأخضر , على حين يعطي لاسبانيا كل شيء يقع غربي هذا الخط,ومنكن الوضع البرتغال من المطالبة بان تكون البرازيل من نصيبها وحدها .
اكتشاف رأس الرجاء الصالح
هي تلك النقطة من المساحة الأرضية الواقعة في أقصى جنوب القارة الأفريقية بالقرب من كيب تاون، والتي تشبه في شكلها الرأس المحدب. كانت تمر منها السفن التجارية المتوجهة من وإلى آسيا. الذي اطلق اسم رأس الرجاء الصالح هو ملك البرتغال وذلك عندما علم بوصول الرحالة البرتغالي دياز إلى الهند عام 1488م وقد أطلق الملك البرتغالي هذا الاسم للتعبير عن ابتهاجه باكتشاف طريق بحري إلى الهند يغني أوروبا عن سلوك طريق القوافل البرية المعرض للخطر عندما قام ((دياز))وهو رحاله من البرتغال برحلته من البرتغال إلى الهند ماراً بمحاذاة الساحل الغربي لأفريقيا مر بجانب رأس الرجاء الصالح وقام بتسميته رأس العواصف بما مر به من عواصف بحريه شديدة ومن ثم
أعاد ملك البرتغال إعادة تسمية رأس العواصف إلى رأس الرجاء الصالح .
مضى البرتغاليون بعد كشف الرجاء في مغامراته في الشرق لاحتكار منتجاته و محاولة ضر بالقوى الإسلامية بحرمانها من أسباب نموها و تطورها الاقتصادي و أعدت حملة بحرية بقيادة فاسكوديجاما لتكملة الوصول إلى طريق الجنوب الأفريقي ، و مواصلة الرحلة إلى الهند و نجح الملاح من تحقيق هذا الهدف ، و تمكن من انجاز الدوران حول جنوبي أفريقيا و ووصل إلى ساحلها الشرقي نحو موزنبيق ، وهناك تتعرف ببعض الملاحين العرب ، و أخذ منهم مرشدا بصيرا بأمور الملاحة و طرقها عبر أحمد بن ماجد ، و ساعده على الوصول إلى الساحل الغربي للهند ، و استطاع الاتصال بالأمراء الهنود و عقد معهم الاتفاقات التجارية ، و ثم عاد إلى بلاده عام 1499م ، و سفنه مشحونة بالتوابل و المنتجات الشرقية ، و بذلك تحقق للبرتغال اكتشاف طريق بحري مباشر للهند . و انتقل الثل التجاري العالمي من حوض المتوسط إلى المحيط الأطلسي ، و هو الأسوأ في آثاره على العرب و المسلمين ، و التجارة بين أوروبا و العالم الشرقي عبر المتوسط ، كانت مصر المملوكية بلغت قوتها بداية القرن السادس عشر من حيث الثروة و التجارة ، و على علاقات واسعة مع التجار البنادقة و الجنوبيين الذين انتقلوا بمتاجرهم من الشرق إلى أوروبا عن طريقين تتحكم فيهم مصر المملوكية و هما : طريق الفرات – حلب – الإسكندرونة – أوروبا ، و طريق البحر الأحمر – السويس – القاهرة – الرحمانية على النيل – ثم الإسكندرية ، و بعد ذلك تنقل إلى الموانئ الإيطالية في طريقها إلى الدول الأوروبية . و انتهى هذا العهد الذي حصل فيه العرب على ثروات كبيرة ، سواء من الملاحة أو التجارة بين الهند و الصين و أوروبا ، و حتى نهاية اقرن الخامس عشر ، وكانت السفن العربية تجوب المحيط الهندي و موانئه ، و انتهى كل ذلك ليحل البرتغاليون محلهم في احتكار التجارة الشرقية ، و طردهم من البحار الشرقية بعد الاستيلاء على مراكز حصينة ، و كبعض الموانئ ة الجزر التي يستطيعون منها إغلاق البحر الأحمر والخليج العربي في وجه الملاحة العربية. أما في الهند نفسها ، فقد عمد البرتغاليون إلى امتلاك أجزاء من الساحل ، ووضعوا فيها بعض قواتهم البحرية و البرية ، ليخضعوا
أمراء المسلمين في الهند و ، و يجبروهم علو توقيع معاهدات تلزمهم باقتصار التجارة على البرتغاليين .
و استصرخ الأمراء الهنود المسلمين حكام البلاد العربية و الإسلامية ليمدوا لهم يد المساعدة في تلك الحرب المقدسة ، و ووجد استصراخهم صدى لدى سلطان مصر المملوكي ، و الذي أعد أسطولا ضخما لمنازلة البرتغاليين في أعالي البحار الشرقية ، و لكن تمكن الأسطول البرتغالي بقيادة الميد من إن يهزم الأسطول المصري في معركة ديو البحرية عام 1509 م .
البوكيرك و الاستعمار البرتغالي ..
واصل البرتغاليون تدعيم تفوقهم البحري وسيطرتهم التجارية في البحار الشرقية والمضي في تنفيذ سياستهم التوسعية .. وكلفوا أحد كبار قوادهم البحريين ،وهو الفونسو البوكيرك الذي كان معروفا بنزعته الاستعمارية ، وتعصبه ضد المسلمين . ليواصل تحقيق الأهداف الاستعمارية ، واستولى البوكيرك هرمز على الخليج العربي عام 1509م ، وعلى سقطرة عند مدخل البحر الأحمر ، وعلى جوا . حيث أقام أول محطة تجارية للبرتغال . ثم استولى على ملقا قرب سنغافورة عام 1511م .. وأصبح البوكيرك أول حاكم برتغالي على المناطق الساحلية التي احتلها البرتغاليون في الهند . وكان الشرق العربي قد وقع عام 1516 م تحت حكم العثمانيين ، ووقع عبء ذلك ضد الإقدام البرتغالي من البحار الشرقية على عاتق العثمانيين، إلا أناه فشلت في انتزاع التفوق البحري من البرتغاليين .. ومضى هؤلاء في توسعهم متخذين الشرق الأقصى مجالا للتقدم شرقا ، واستولوا على الملايو وانفتح الطريق أمامهم إلى سيام وجاوه وبلغ نشاطهم ساحل الصين وتطورت جهود البرتغاليين من كشف الطريف البحري المباشر الى الهند الى احتلال الأراضي وتكوين امبراطورية في أجزاء من أفريقيا وآسيا.
استعمار البرازيل
كان الملاح البرتغالي كبدال في طريقه إلى الهند عام 1500م ، دفعته الريح إلى الغرب حتى نزل بساحل البرازيل ، ولكن الجهود التي كان البرتغاليين يبذلونها في الشرق صر فتهم عن الاهتمام بالبرازيل . ولاحظ
البرتغاليون أن تطلعاتهم في احتكار التجارة الشرقية لم تتحقق تماما ، وأن اسبانيا قد تفوقت عليهم في سياستها الاستعمارية في أمريكا ، وما حظيت به اسبانيا من الذهب والفضة ، وعندما أدركوا ذلك عادو للاهتمام بالبرازيل . وبدأت تتوغل في البرازيل منذ عام 1525م ، وتنظم استغلالها واتبعت نظام الإقطاع ، واقطعت المغامرين من البرتغاليين أقطاعات من أرض البرازيل ، ويرتكز على إقطاع قاعدة على الساحل ، ثم يتوغل صاحب الإقطاع نحو الداخل . واستعمرت بذلك البرتغال أرض البرازيل ، ونشرت لغتها فيها ، ونظمها وتقاليدها والديانة المسيحية على المذهب الكاثوليكي . وبدأت حركة واسعة لنقل آلاف العبيد من وطنهم في أفريقيا إلى أمريكا ، ليعملوا في مزارعها ومناجمها أرقام لأصحاب الأراضي ، وبفضل سواعد السود تم تعمير الأراضي وزيادة الإنتاج وبنيت المدن . وفي نهاية القرن السادس عشر كان في البرازيل وحدها حوالي 25ألفا من البيض المختلطين ،و18 ألفا من الوطنيين الذين نقلوا المدينة الأوروبية والتعاليم المسيحية و 14 ألفا من العبيد الأرقام المسخرين لزراعة الأراضي والأعمال اليدوية . وقد تنوع سياسة التوسع البرتغالي في أهدافها واتجاهاتها ، وانحصر التوسع البرتغالي في العالم الجديد إلي كانت البرازيل فيه من نصيب البرتغال ، وسياسة الأخيرة متجهة التشجيع البرتغاليين على الاستيطان و تحقيق الاستغلال وتدعيم الاستعمار ، حتى أصبح البرتغاليون الذين استوطنوا البرازيل يشعرون أن بلادهم ، لهم فيها مصالح ثابتة ... واستطاعت البرازيل ان تدافع عن نفسها لمستعمرة برتغالية في أول الأمر , حتى إذا استكملت البرازيل مقوماتها استقلت عن البرتغال في القرن التاسع عشر . واتجه التوسع البرتغالي في شرق إلى أفريقيا و آسيا , واحتل البرتغاليون المراكز والمحطات التجارية واحتكروا التجارة الشرقية . والتوسيع البرتغالي في الشرق لم يتجه إلى الأرض يزرعها , والمناجم يستخرج معادنها , أو إلى جبي الضرائب من السكان. ولم يكن التوسع البرتغالي في الشرق قائما على قواعد وأساليب استعمارية من استيطان واستقرار وتعمير , ولهذا فإن الإمبراطورية البرتغالية الشرقية لم تصمد طويلا أمام منافسة الدول الاستعمارية الأوروبية , فسرعان ما انهارت وحلت محلها إمبراطوريات جديدة . وكان الاستعمار البرتغالي أساسا يتجه إلى التجارة و الأرباح دون الإدارة والحكومة , وامتدت أراضيهم من أفريقيا إلى آسيا وجزائر متناثرة في البحار الشرقية. ورغم ان البرتغال استطاعت السيطرة على الطريق البحري والتفوق في المياه الشرقية على مدى قرن ونصف, إلا أنها عجزت عن احتكار تجارة الشرق في أيديها احتكارا تاما .
وكان التجار العرب يجدون مجالا للخلاص من الحصار البرتغالي , فيحملون في سفنهم الخفيفة ما استطاعوا من المنتجات الشرقية , وينفذون بها إلى البحر الأحمر والخليج العربي , وينتقلون من إلى مصر أو غيرها , حيث يبيعونها للتجار البنادقة حتى عام 1540م . حيث عادت التجارة الشرقية , وترد بكميات وفيرة إلى الإسكندرية وحلب , حيث ينقلها تجار البنادقة وغيرهم إلى موانئ أوروبا الجنوبية والغربية .
وكان فيليب الثاني ملك إسبانيا يعمل على بسط سيادة أسرته في أوروبا في عام 1578م , حيث سنحت له الفرصة بضم البرتغال إلى أملاكه , وأصبحت ايبيريا تحت سلطته, ومهد له الطريق إلى ضمها موت ملكها هنري الكاردينال , وطالب فيليب بعرشها بحق الوراثة , وأرسل إليها جيشا بقيادة دوق ألفا , واستولى عليها بمساعدة أسطول كبير من الساحل, وبقيت في يد الأسبان لمدة ستين عاما, إلى ان استقلت ثانية 1640م . كان هذا التوسع هو بسط النفوذ البرتغالي في أمريكا الجنوبية وأفريقية وجزر الهند الشرقية وأوروبا. وتوسعت رقعة الأراضي الإسبانية في أوروبا , ونفوذها على المستعمرات البرتغالية في أمريكا الجنوبية و أفريقية وجزر الهند الشرقية واستقلالها في وقت كانت خزائن إسبانيا شبه فارغة , وأخيرا سارت الإمبراطورية البرتغالية في الشرق إلى الانحلال. وعندما فقدت البرتغال نفسها استقلالها , ووقعت تحت حكم إسبانيا حين آل عرش البرتغال من بعد وفاة الملك سبستيان آخر ملوك البرتغال في القرن السادس عشر إلى فيليب الثاني ملك إسبانيا في عام 1580م , واستمرت الدولتان تحت تاج واحد من عام 1580م إلى 1640م . إلا ان ضعف الإمبراطورية البرتغالية قد بدأ من منتصف القرن الخامس عشر , وزاده ضعفا استيلاء الأسبان على البرتغال, على يد ملك إسبانيا فيليب الثاني الذي أهمل الإمبراطورية البرتغالية, ولم يهتم بها, وأصبحت مصالح البرتغال وأملاكهم نهبا للدول الأخرى , وكانت الدول الأوروبية الأخرى هي هولندا وإنكلترا وفرنسا ونزلت ميدان المنافسة الاستعمارية .
د- نهاية الامبراطوريه البرتغالية
أدت عوامل إلى نهاية الامبراطوريه البرتغالية ،حيث فقد نظام الحكم الذي اتبعوه في أملاكهم ،و كان كل همهم الحصول على تجارة التوابل واحتكارها ،وإنهم بحاجه إلى تدعيم حكمهم عن طريق إنشاء محطات مسلحه لتمويل أساطيلهم ،وبمثابة قواعد ومنافذ بحريه هندية ،هذه المحطات مراكز مهمة لتجارة التوابل. وأقاموا في الشرق مراكز استعمارية على سواحل الملا بار ،وحصلوا من السكان على الجزية ،ومنعوهم من التجارة ،واكتفوا بإقامة القلاع و الحصون و محطات مسلحة في سومطرة ،ومسقط و عدن ،وهرمز ،وملقا ،أي ومحطات رئيسية على منافذ البحار ومسالكها 0 وأقام البرتغاليون في الشرق الأقصى نظاما من الحكم كان من أسباب انحلال إمبراطوريتهم ،وجمعوا السلطة كلها في شخص نائب الملك المقيم في جوا ،والذي تمتع بسلطة مطلقة ،ولم يكن مسئولا إلا إمام الملك البرتغالي نفسه ،وكان يفرض الضرائب ،وينفق على الإدارة ،ويعامل الأهالي بقسوة رغم حاجتها إلى الأموال ،فضلا على نشر المسيحية بالقوة ،وانشأ البرتغاليون لهذا الغرض "جوا"محاكم تفتيش عام 1560م.
كانت بذلك عظمة البرتغال ظاهرية لم تستفد منها الإمبراطورية ،وظلت تعتمد على الرقيق ،وانتشر الفقر في البلاد وتعست البلاد ،وظلت لشبونة العاصمة غير مزدهرة طويلا, رغم أنها مركز للتجارة داخل البلاد وخارجها.
الخاتمة
عندما ننظر الى العالم الحديث من حولنا نرى آثار هذه الاكتشافات في لغة و ثقافة البلدان المستعمرة و كيف استطاع البرتغاليون فرض ارادتهم على الشعوب و ثقافتهم ، في نهاية المطاف نرى إن الكشوفات البرتغالية كانت كشوفات عظيمة ورحلة مشوقة في اكتشاف العالم , وتغلب على كل ما يواجهها من مخاطر لتحقيق مرادها , وسعيها لتكون الدولة القوية في العالم .. و أما أخرا نتمنى اننا وفقنا في اختيار هذا الموضوع ، و أن ينال على اعجابكم هذا الموضوع و قد استفدتم منه .
و في نهاية لابد أن نشير إلى بعض الاقتراحات و التوصيات منها :
يجب أن نهتم بدراسة و بحث الاستعمار القديم و خاصة الاستعمار البرتغالي الذي لعب يوما دورا في تاريخ بلادنا و أن نستوعب تجارب الأحداث التي رافقت وجوده في أرضنا . و لا بد أن نجيب على بعض الأسئلة التي تدور في أذهاننا و أنه ماذا أراد البرتغاليون من السيطرة على بلادنا ، هل هو عامل ديني أم مجرد المال و الثروات ؟
هل تحررنا من الاستعمار أم مازلنا نعاني بعض الشي ؟ كل هذا سيقودنا إلى تحقيق مزيد من النجاح و التقدم و الازدهار .
المصادر والمراجع
موسوعة تاريخ أوروبا الحديث والمعاصر – تاريخ أوروبا في العصور الوسطى – (476-1500م) الجزء الأول -تأليف د. مفيد الزيدي – دار أسامة للنشر والتوزيع
التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر – تأليف دكتور جلال يحيى – الاسكندرية – مصر
معالم تاريخ أوروبا في العصور الوسطى - تأليف د. محمود سعيد عمران – دار النهضة العربية للطباعة والنشر- بيروت- لبنان